mercredi 1 février 2012
علم الاجتماع الآلي ومجتمع «الإنساسوب»
علم «الاجتماع الآلي» هو العلم الذي يهتم بالحركة البشرية المرقمنة في العالم الافتراضي، حيث يتناول أسس ومبادئ وأصول العلم الذي يدرس الإنسان المرقمن.
ويجمع هذا العلم الجديد بين علوم الحاسوب وعلوم الاجتماع، حيث يهدف إلى بحث مسألة الاتصال عبر الحاسوب ونشوء ما يسميه الدكتور علي محمد رحومة في كتابه «علم الاجتماع الآلي» الصادر عن سلسلة «عالم المعرفة» بـ «الاجتماعية الإنترنتية»، إذ يتفاعل الإنسان مع الحاسوب وتحوله إلى إنسان رقمي افتراضي يعيش على الشبكة المعلوماتية ويتواصل مع أخيه الإنسان في جميع أنحاء عالمنا.
فالحاسوب أصبح جزءا رئيسا في حياتنا اليومية وضروريا لمختلف العلوم والمعارف من أجل تحقيق النمو الحضاري. لذا يدعو المؤلف العالم العربي إلى البحث ومتابعة ما يكتب حول الشبكة الدولية للمعلومات من قبل مراكز البحوث والتطوير في دول غربية واليابان.. كما يدعو الدول العربية إلى تشجيع البحث العلمي التكنولوجي والاجتماعي لتحقيق التنمية.
نشوء ميدان البحث
يعود المؤلف إلى منتصف التسعينيات، حيث ظهرت أولى خطوات حقل معرفي جديد للدراسة والبحث وسرعان ما تطور وتقدم بأسماء مختلفة فنجد مثلا: دراسات الثقافة السايبرية والاتصال عبر الحاسوب ودراسات الإنترنت والمعلوماتية الاجتماعية، وفي العام 1996 عُقدت في النمسا ندوة حول الفضاء السايبري: النظريات والمجازات بهدف فهم تأثيرات النمو المتزايد لشبكات الحواسيب الكونية كالإنترنت وشبكة الويب العالمية من أجل تطوير نماذج لتطوير هذه الشبكات وكيف ستؤثر في الأفراد والمجتمع على كل المستويات. ولقد كان التركيز على موضوعات السبرانية كنظرية اتصالات ومعلومات وتحكم يمكن تطبيقها في بناء النماذج المادية للشبكات مع الأخذ في الاعتبار منظورات علم الاجتماع وعلم المستقبليات والذكاء الاصطناعي والنظم المعقدة وتفاعل الإنسان مع الحاسوب وعلم النفس.
ويخلص الكتاب في تعريفه بعلم الاجتماع الآلي إلى أنه العلم الذي تندرج تحته أبحاث تخصصية مثل علم اجتماع التكنولوجيا وعلم اجتماع تكنولوجيا المعلومات، وعلم اجتماع المعلوماتية، والمعلوماتية الاجتماعية، وعلم اجتماع الإنترنت، وعلم اجتماع الويب، والدراسات السايبرية ودراسات الإنترنت، وبشكل أخص علم الاجتماع الإلكتروني وعلم الاجتماع الرقمي وعلم الاجتماع السايبري وعلم الاجتماع الافتراضي.
الإنسوب ومجتمع الحاسوب
لقد أصبحت البشرية تعيش في وسط جديد، وسط الاتصال الإلكتروني (الإنترنت) حتى تحول الإنسان الطبيعي إلى إنسان-آلة أو إنسان-حاسوب أو ما يسميه المؤلف «الإنسوب» وهي اختصار لكلمة «الإنساسوب» (الإنسان- الحاسوب) دلالة على برنامج ذكي أو واقع افتراضي، إنه «مركب رقمي، لا جسد له، بل ذات- مجتمع، قد يكون مجرد برنامج حاسوب أو فرعا من برنامج».
إن علم الاجتماع الآلي يتفرع إلى علم اجتماع الوسط المجتمعي الجديد (وسط الإنترنت، فضاء سايبري)، «إنه الفضاء الآلي الذي يحوينا شكلا ومضمونا فنكون كما ينبغي لنا أن نكون في عصر المعلومات، ومجتمع المعرفة، أفرادا وجماعات ومنظمات رقمية، مرقمنين مبنى ومعنى».
كما يحاول المؤلف في الفصل الأول أن يدرس مجتمع الحاسوب، حيث يبين للقرَّاء كيف أصبح الحاسوب جزءا مهما في حياتنا اليومية، حيث «تربع الحاسوب على عجلة القيادة الحضارية (المدنية)، فنحن لا نستطيع أن نقود من دون بصماته في أصابعنا وإيحاءاته في أفكارنا وأحاسيسنا، ولا نستطيع حتى رؤية الحياة الراهنة من دون عينه، تضيء ما أظلم علينا في سابق الزمان، وسالف العصر والأوان».
المجتمعات الافتراضية «بديلا» عن المكان الثالث
يتطرق علم الاجتماع الحديث إلى ضياع مفهوم المجتمع المحلي الذي ضاع في خضم تحولات التحديث في المجتمعات الغربية، حيث أصبح ما يسمى «المكان الثالث» شبه غائب. وهو ما يسمَّى بالأمكنة الاجتماعية التي يرتاح فيها الناس من الأعباء اليومية (النوادي، المقاهي..) وهي ضرورية لتحقيق الترابط الاجتماعي.
يشير المؤلف إلى تراجع «المكان الثالث» في المجتمعات الغربية الحديثة، الأمر الذي جعل المجتمعات على الخط (الإنترنت) تلقى القبول لدى مستخدمي الشبكة، في «أمكنة ثالثة» رقمية، مثل غرفة الدردشة، جماعات الأخبار، البريد الإلكتروني.
ويبحث الكاتب في الفصلين الثالث والرابع مفهوم المجتمعات الافتراضية، حيث يبين كيف انتشرت «المجتمعات على الخط» ونجحت في إشباع الحاجات الاجتماعية للإنسان (التعارف، التواصل مع الآخر..).
لقد أسهمت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تطوير المجتمعات المتنوعة لشبكات الحواسب المختلفة، على المستوى الاجتماعي والتفاعلي الثقافي والتجاري والاتصالي بأنواعه المتنوعة (البريد الإلكتروني، الدردشة..).
الاتصال وبنية المجتمع على الخط
في الفصل الخامس يناقش تقنيات الاتصال وبنية المجتمع على الخط، بعناصره الاجتماعية التي يتركب من مكوناتها البناء الافتراضي للجماعات الرقمية. ويعرض أهم مراحل التطوير والتقييم التي تمر بها الحركة الإلكترونية للمجتمعات الشبكية.. وفي الأخير يتناول أهم الوسائل المستخدمة في الاتصال عبر الحاسوب، مبرزا ميزات وعيوب كل تكنولوجيا (قوائم البريد، جماعات الأخبار، الدردشة النصية، البريد الإلكتروني المدونات..).
الثقافة الرقمية
يتطرق الكاتب إلى ما يسمَّى بـ «النظرية السايبرية» Cyber Theory التي ترتكز على وجود الفضاء الافتراضي كحقيقة لها أبعادها المختلفة في الإنترنت، حيث يعتبر «الفضاء السايبري مجالا رقميا إلكترونيا، يوجد داخل مسافات متشابكة من خطوط وقنوات الاتصالات المعدنية والضوئية والهوائية في الإنترنت... ومن خلال هذا الفضاء، يحدث التفاعل البشري الآلي عقليا، ونفسيا، واجتماعيا، بمختلف الحواس الإنسانية وكذلك الآلية».
في هذا الفضاء أيضا «يتشكل مجتمع الإنترنت، متكونا من أعضائه الكونيين، الأفراد والجماعات البشريين في علاقاتهم بعضهم ببعض، بمختلف الخصائص التي تفرضها هذه البيئة الإنسانية الآلية».
كلمة «النظريّة السايبريّة» Cyber theory مشتقة من الكلمة الإنجليزية المستعملة لوصف فضاء الإنترنت: «سايبر سبايس» Cyber space، أما الكلمة (سايبر) التي صاغها الروائي «ويليام غبسون»، فقد وضعها حين بحث عن اسمٍ ما لوصف رؤيته عن شبكة حاسوب كونيّة تربط الناس والآلات ومصادر المعلومات، التي من خلالها يمكن المرء أن يتحرّك كأنه يبحر في فضاء افتراضي.
وتُشتق الكلمة «سايبر» cyber من الفعل اليوناني «كيبرنو» kubernao الذي يعني «يقود»، أي «يحكم»، وتطلق «السبرانيّة» Cybernetics اسما لعلم الاتصالات والمعلومات والتحكّم، وبالتالي تشمل كلمة «السايبري» معنيين: «الملاحة» navigation خلال فضاء من البيانات الإلكترونيّة، إضافة إلى «التحكّم» Control الذي يتحقّق عبر معالجة تلك البيانات.
يحتوي الفضاء السايبري «علماً رقميّاً من صنع الإنسان»، يستطيع استيعاب مختلف موارد المعلومات المتاحة من خلال شبكات الحواسيب. ويرسم صورة عن ثقافة رقميّة، تتحرك ضمن بيئة تفاعلية يصنعها مستخدمو الإنترنت ببرامجهم المتنوعة.
ويلاحظ الكتاب أن كل مجتمع يطوّر ثقافته الافتراضية الخاصّة بسبب عوامل عدَّة (ديموغرافيا المشاركين واهتماماتهم المشتركة، والطريقة التقنيّة لإعداد الشبكة المستخدمة، وكذلك نوعية برامج الحاسوب التي يميل إليها الجمهور..).
كما يؤكد المؤلف أن «الفضاء السايبري يتيح فرصة تمثل مختلف أنواع الهويات، بشتى خلفياتها الاجتماعية والثقافية والعرقية.. إذ يتشكل المجتمع السايبري في أية مساحة إلكترونية بصورة موزَّعة، على أكبر نطاق ممكن في شكل لا مركزي، ويتجاوز بذلك المشاركون عوائق الاتصال الحدودية تقنيا واجتماعيا» فيتجاوزون موانع أدواتهم لإبراز مواهبهم وطاقاتهم الشخصية.
نحو بحث اجتماعي آلي رصين
يشير الدكتور محمد رحومة إلى بعض الاعتبارات التي على الباحثين أن يهتموا بها بغرض القيام بالبحث السايبري على الإنترنت، كما يتطرق في الفصل السابع إلى عدد من المناهج البحثية والأساليب العملية التي يمكن اتباعها لإجراء بحوث الإنترنت، بهدف اكتشاف المجتمعات الافتراضية ودراستها، مع الإشارة إلى أهم الوسائل الإلكترونية المستخدمة في البحث العلمي.
الموجة الرابعة للحضارة الإنسانية
يعتبر المؤلف أن الأنفس البشرية والإلكترونية قد أبهمت بظهور العالم السايبري وتماهيه في حياتنا اليومية.
ويتوقع الكاتب «بناء على الشواهد العلمية بشأن النشوء والارتقاء والتطوير التكنولوجي، فإنه مثلما وصل الإنسان إلى مرحلة تطوير آلات ذكية، فإن المرحلة المقبلة ستكون أن هذه الآلات الذكية ستخلق جيلها اللاحق من دون تدخل الإنسان في ذلك»، حيث سيتفوق الذكاء الآلي على الإنسان. ويتطرق الكاتب إلى ما يسمَّى بـ «الموجة الرابعة» التي تعني ظهور «المعنى الحقيقي الذي يتأسس على وعي المعنى الروحي للإنسان، أي أن الناس سيرون الاحتياج إلى أنفسهم الداخلية، في ظل ظهور الأنفس الآلية الصناعية بقدراتها الخارقة».
الفضاء السايبري: بيئة الجميع
وفي الختام يشير الكاتب إلى أهم الصعوبات التي تواجه البشرية في العالم الافتراضي، الأمر الذي يستدعي حلها «حتى يتكون المجتمع الإنساني الرقمي.. بدرجات عليا من الإيجابية والتفاهم والتطور الكوني المنشود». ويضيف الكاتب «إن الفضاء السايبري لا يمكن أن يكون كونيا بالمعنى الإنساني إلا بجعل البيئة السايبرية بيئة الجميع، ومناخا لتنفس الجميع، ومن حق الأفراد البشريين أينما كانوا».
(الموجات التاريخية الحضارية للإنسان هي: الموجة الأولى: الزراعة، الموجة الثانية: الثورة الصناعية، ثم دخلت البشرية في الموجة الثالثة وهي موجة المعلومات والمعرفة).
زكرياء سحنون- صحافي
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire